فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأما الخطأ المحض فهو أن لا يقصد قتله بل قصد شيئًا آخر فأصابه فمات منه فلا قصاص عليه وتجب فيه دية مخففة على عاقلته مؤجلًا إلى ثلاث سنين ومن صور قتل الخطأ أن يقصد رمي مشرك أو كافر فيصيب مسلمًا أو يقصد قتل إنسان يظنه مشركًا بأن كان عليه لباس المشركين أو شعارهم فالصورة الأولى خطأ في الفعل والثانية خطأ في القصد.
المسألة الثانية: في حكم الديات:
فدية الحر المسلم مائة من الإبل فإذا عدمت الإبل فتجب قيمتها من الدراهم أو الدنانير في قول وفي قول بدل مقدر وهو ألف دينار أو أثنا ألف درهم ويدل على ذلك ما روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص.
قال كانت الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانمائة دينار أو ثمانية آلاف درهم قال وكانت دية أهل الكتاب يومئذٍ على النصف من دية المسلم فكانت كذلك حتى استخلف عمر فقام خطيبًا فقال إن الإبل قد غلت فقرضها عمر على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق اثني عشر ألف درهم وعلى أهل البقر مائتي بقرة وعلى أهل الشاء ألفي شاة وعلى أهل الحلل مائتي حلة قال: وترك دية أهل الكتاب فلم يرفعها فيما رفع من الدية أخرجه أبو داود فذهب قوم إلى ان الواجب في الدية مائة من الإبل والف دينار أو اثنا عشر ألف درهم وهو قول عروة بن الزبير والحسن البصري وبه قال الشافعي وذهب قوم إلى أنها من الإبل أو ألف دينار أو عشرة آلاف درهم وهو قول سفيان الثوري وأصحاب الرأي ودية المرأة نصف دية الذكر الحر ودية أهل الذمة والعهد ثلث دية المسلم إن كان كتابيًا وإن كان مجوسيًا فخمس الثلث ثمانمائة درهم وهو قول سعيد بن المسيب.
وإليه ذهب الشافعي وذهب قوم إلى أن دية الذمي والمعاهد مثل دية المسلم روي ذلك عن ابن مسعود وهو قول سفيان الثوري وأصحاب الرأي وقال قوم دية الذمي نصف دية المسلم وهو قوم عمر بن عبدالعزيز وبه قال مالك وأحمد والأصل في ذلك ما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «دية المعاهد نصف دية الحر» أخرجه أبو داود وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عقل أهل الذمة نصف عقل المسلمين وهم اليهود والنصارى أخرجه النسائي فمن ذهب إلى أن دية أهل الذمة ثلث دية المسلم أجاب عن هذا الحديث بأن الأصل في ذلك كان النصف ثم رفعت زمن عمر دية المسلم، ولم ترفع دية الذمي فبقيت على أصلها وهو قدر الثلث من دية المسلمين والدية في قتل العمد وشبه العمد مغلظة فتجب ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون في بطونها أولادها.
وهذا قول عمر وزيد بن ثابت وبه قال عطاء وإليه ذهب الشافعي لما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «من قتل متعمدًا دفع إلى أولياء المقتول فإن شاؤوا قتلوا وإن شاؤوا أخذوا الدية وهي ثلاثون حقه ثلاثون جذعة وأربعون خلفة وما صولحوا عليه فهو لهم وذلك لتشديد العقل» أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب وعن عقبة بن أوس عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال خطب النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح فقال: «ألا وإن قتيل العمد بالسوط والعصا والحجر مائة من الإبل أربعون ثنية إلى بازل عامها كلهن خلفه» وفي رواية أخرى «ألا إن كل قتيل خطأ العمد أو شبه العمد قتيل السوط والعصا مائة من الإبل فيها أربعون في بطونها أولادها».
أخرجه النسائي وذهب قوم إلى أن الدية المغلظة أرباع خمس وعشرون بنت مخاض وخمس وعشرون بنت لبون وخمس عشرون حقة وخمس وعشرون جذعة وعشرون جذعة وهذا قول الزهري وربيعة وإليه ذهب مالك وأحمد وأصحاب الرأي.
وأما دية الخطأ فمخففة وهي أخماس بالاتفاق غير أنهم اختلفوا في تقسيمها فذهب قوم إلى أنها عشرون بنت مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون ابن لبون وعشرون حقة وعشرون جذعة وهذا قول عمر بن عبدالعزيز وسليمان بن يسار والزهري وربيعة وبه قال مالك والشافعي وأبدل قوم أبناء اللبون ببنات المخاض يرون ذلك عن ابن مسعود وبه قال أحمد وأصحاب الرأي والدية في قتل الخطأ وشبه العمد على العاقلة وهم العصيات من الذكور ولا يجب على الجاني منها شيء لأن النبي صلى الله عليه وسلم أوجبها على العاقلة ودية الأعضاء والأطراف حكمها مبين في كتب الفقه ودية أعضاء المرأة على النصف من دية أعضاء الرجل والله أعلم.
المسألة الثالثة: في حكم الكفارة:
الكفارة إعتاق رقبة مؤمنة وتجب في مال القاتل سواء كان المقتول مسلمًا أو معاهدًا رجلًا كان أو امرأة حرًا كان أو عبدًا فمن لم يجد الرقبة فعليه صيام شهرين متتابعين فالقاتل إن كان واجدًا للرقبة أو قادرًا على تحصيلها بوجود الثمن فاضلًا عن نفقته ونفقة عياله وحاجته من مسكن ونحوه فعليه الإعتاق.
ولا يجوز له أن ينتقل إلى الصوم فمن عجز عن الرقبة أو عن تحصيل ثمنها فعليه صوم شهرين متتابعين فإن أفطر يومًا متعمدًا في خلال الشهرين أو نسي النية أو نوى صومًا آخر وجب عليه استئناف الشهرين وإن أفطر يومًا بعذر مرض أو سفر هل ينقطع التابع؟ اخلتف العلماء فيه فمنهم من قال ينقطع التتابع وعليه استئناف الشهرين وهو قول النخعي وأظهر قولي الشافعي لأنه أفطر مختارًا.
ومنهم من قال لا ينقطع التتابع وعليه أن يبني وهو قول سعيد بن المسيب والحسن والشعبي ولو حاضت المرأة في خلال الشهرين فطرت أيام الحيض ولا ينقطع التتابع فإذا طهرت بنت لأنه أمر كتبه الله على النساء ولا يمكن الاحتراز عنه فإن عجز عن الصوم فهل ينتقل عنه إلى الإطعام فيطعم ستين مسكينًا ففيه قولان: أحدهما أنه ينتقل إلى الإطعام كما في كفارة الظهار.
والثاني لا ينتقل لأن الله تعالى لم يذكر له بدلًا فقال فصيام شهرين متتابعين توبة من الله فنص على الصوم وجعل ذلك عقوبة لقتل الخطأ والله أعلم. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} قيد في هذه الآية الرقبة المعتقة في كفارة القتل خطأ بالإيمان، وأطلق الرقبة التي في كفارة الظهار واليمين عن قيد الإيمان حيث قال في كل منهما: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} ولم يقل مؤمنة؛ وهذه المسألة من مسائل تعارض العارض المطلق والمقيد وحاصل تحرير المقام فيها: أن المطلق والمقيد لهما أربع حالات:
الأولى: أن يتفق حكمهما وسببهما كآية الدم التي تقدم الكلام عليها؛ فجمهور العلماء يحملون المطلق على المقيد في هذه الحالة التي هي اتحاد السبب والحكم معا، وهو أسلوب من أساليب اللغة العربية لأنهم يثبتون ثم يحذفون اتكالا على المثبت كقول الشاعر، وهو قيس بن الخطيم:
نحن بما عندنا وأنت بما عنـ ** ـدك راض والرأي مختلف

فحذف راضون لدلالة راض عليها، ونظيره أيضا قول ضابئ بن الحارث البرجمي:
فمن يك أمسى بالمدينة رحله ** فإني وقيارا بها لغريب

وقول عمرو بن أحمر الباهلي:
رماني بأمر كنت ووالدي ** بريئا ومن أجل الطوى رماني

وقال بعض العلماء: إن حمل المطلق على المقيد بالقياس، وقيل: بالعقل وهو أضعفها، والله تعالى أعلم.
والحالة الثانية: أن يتحد الحكم ويختلف السبب كما في هذه الآية، فإن الحكم متحد وهو عتق رقبة، والسبب مختلف وهو قتل خطأ وظهار مثلا؛ ومثل هذا المطلق يحمل على المقيد عند الشافعية والحنابلة وكثير من المالكية، ولذا أوجبوا الإيمان في كفارة الظهار حملا للمطلق على المقيد خلافا لأبي حنيفة.
ويدل لحمل هذا المطلق على المقيد، قوله صلى الله عليه وسلم في قصة معاوية بن الحكم السلمي: «اعتقها فإنها مؤمنة» ولم يستفصله عنها هل هي كفارة أو لا، وترك الاستفصال ينزل منزلة العموم في الأقوال، قال في مراقي السعود:
ونزلن ترك الاستفصال ** منزلة العموم في الأقوال

الحالة الثالثة: عكس هذه، وهي الاتحاد في السبب مع الاختلاف في الحكم؛ فقيل: يحمل فيها المطلق على المقيد، وقيل: لا، وهو قول أكثر العلماء ومثاله: صوم الظهار وإطعامه، فسببهما واحد وهو الظهار وحكمهما مختلف لأن هذا صوم وهذا إطعام، وأحدهما مقيد بالتتابع وهو الصوم والثاني مطلق عن قيد التتابع وهو الإطعام، فلا يحمل هذا المطلق على المقيد.
والقائلون بحمل المطلق على المقيد في هذه الحالة مثلوا له بإطعام الظهار، فإنه مقيد بكونه قبل أن يتماسا، مع أن عتقه وصومه قيدا بقوله: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا}، فيحمل هذا المطلق على المقيد فيجب كون الإطعام قبل المسيس.
ومثّل له اللخمي بالإطعام في كفارة اليمين حيث قيد بقوله: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ}، وأطلق الكسوة عن القيد بذلك حيث قال: {أَوْ كِسْوَتُهُمْ}، فيحمل المطلق على المقيد فيشترط في الكسوة أن تكون من أوسط ما تكسون أهليكم.
الحالة الرابعة: أن يختلفا في الحكم والسبب معا ولا حمل فيها إجماعا، وهو واضح، وهذا فيما إذا كان المقيد واحدا؛ أما إذا ورد مقيدين بقيدين مختلفين فلا يمكن حمل المطلق على كليهما لتنافي قيديهما، ولكنه ينظر فيهما فإن كان أحدهما أقرب للمطلق من الآخر حمل المطلق على الأقرب له منهما عند جماعة من العلماء فيقيد بقيده وإن لم يكن أحدهما أقرب له فلا يقيد بقيد واحد منهما ويبقى على إطلاقه لاستحالة الترجيح بلا مرجح.
مثال كون أحدهما أقرب للمطلق من الآخر: صوم كفارة اليمين فإنه مطلق عن قيد التتابع والتفريق مع أن صوم الظهار مقيد بالتتابع، وصوم التمتع مقيد بالتفريق، واليمين أقرب إلى الظهار من التمتع لأن كلا من اليمين والظهار صوم كفارة بخلاف صوم التمتع فيقيد صوم كفارة اليمين بالتتابع عند من يقول بذلك، ولا يقيد بالتفريق الذي في صوم التمتع، وقراءة ابن مسعود: {فصيام ثلاثة أيام متتابعات} لم تثبت لإجماع الصحابة على عدم كتب (متتابعات) في المصحف.
ومثال كونهما ليس أحدهما أقرب للمطلق من الآخر صوم قضاء رمضان فإن الله قال فيه: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}، ولم يقيده بتتابع ولا تفريق مع أنه قيد صوم الظهار بالتتابع وصوم التمتع بالتفريق، وليس أحدهما أقرب إلى قضاء رمضان من الآخر فلا يقيد بقيد واحد منهما بل يبقى على الاختيار إن شاء تابعه وإن شاء فرقه، والعلم عند الله تعالى. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال الفخر:

في هؤلاء الذين بيننا وبينهم ميثاق قولان:
الأول: قال ابن عباس رضي الله عنهما: هم أهل الذمة من أهل الكتاب.
الثاني: قال الحسن: هم المعاهدون من الكفار. اهـ.

.من فوائد الشوكاني في الآية:

قال رحمه الله:
قوله: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ} هذا النفي هو بمعنى النهي المقتضي للتحريم كقوله: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ الله} [الأحزاب: 53] ولو كان هذا النفي على معناه لكان خبرًا، وهو يستلزم صدقه، فلا يوجد مؤمن قتل مؤمنًا قط؛ وقيل المعنى: ما كان له ذلك في عهد الله، وقيل: ما كان له ذلك فيما سلف، كما ليس له الآن ذلك بوجه، ثم استثنى منه استثناء منقطعًا فقال: إلا خطأ، أي: ما كان له أن يقتله ألبتة، لكن إن قتله خطأ فعليه كذا، هذا قول سيبويه، والزجاج، وقيل: هو استثناء متصل؛ والمعنى: وما ثبت، ولا وجد، ولا ساغ لمؤمن أن يقتل مؤمنًا إلا خطأ إذ هو مغلوب حينئذ، وقيل: المعنى: ولا خطأ.
قال النحاس: ولا يعرف ذلك في كلام العرب، ولا يصح في المعنى؛ لأن الخطأ لا يحظر؛ وقيل: إن المعنى: ما ينبغي أن يقتله لعلة من العلل إلا للخطأ وحده، فيكون قوله خطأ منتصبًا بأنه مفعول له، ويجوز أن ينتصب على الحال، والتقدير: لا يقتله في حال من الأحوال إلا في حال الخطأ، ويجوز أن يكون صفة لمصدر محذوف، أي: إلا قتلًا خطأ، ووجوه الخطأ كثيرة، ويضبطها عدم القصد، والخطأ الاسم من أخطأ خطأ إذا لم يتعمد.